مارادونا..قصة مجنون أدمن الإمتاع والألقاب والمخدرات

26

إستفاقت الأرجنتين في الساعة السابعة صباحا من يوم الأحد 30 أكتوبر 1960 على ميلاد طفل ليس كباقي الأطفال، ومخلوق خُلق ليحدث إنقلابا ويهز عالم كرة القدم بعدها كنجم وأسطورة الزمان.
هذا الطفل الذي سمي دييغو أرماندو مارادونا عاش طفولته في الفقر بإحدى المدن المجاورة للعاصمة بوينس إيريس، وأرعب أقرانه بموهبته غير الطبيعية في مداعبة الكرة، فكان أكبر من سنه ليلتحق بنادي ريد ستار الذي إحتضنه ومنحه فرصة الإبداع الفطري، إلا ان مقامه لم يدم طويلا بعدما دعاه أحد أصدقائه لمرافقته إلى مدرسة أرجونتينيوس بعدما أخبر أحد مسؤولي النادي عن مهاراته، فكان الإتفاق والإقناع بتسجيل الطفل دييغو 11 سنة في الفئات العمرية لأرجنتنيوس.
قص الشريط مع أرجونتينيوس ومنتخب الشباب
في يوم 20 أكتوبر من سنة 1976 لعب الفتى أول مباراة رسمية له مع الفريق الأول لأرجونتينيوس وحمل يومها الرقم 16 نظرا لبلوغه أنذاك هذا السن، وبعدها بقليل نودي على دييغو للإنضمام إلى منتخب الأرجنتين المشارك في كأس العالم للشباب باليابان، وحينها أظهر الموهوب موهبته للعالم أجمع معلنا عن ولادة أسطورة جديدة تهدد عرش البرازيلي بيلي، بعدما قاد راقصي الطانغو إلى الفوز باللقب بفضل أهدافه الستة، مطيحا بأندونيسيا 5-0 يوغسلافيا 1-0 وبولونيا 4-1، ثم إكتساح الجزائر فالأورغواي ثم الإتحاد السوفياتي في النهائي ليتم إختيار مارادونا أفضل لاعب في البطولة.
بوكا جونيور تخطف اللؤلؤة
بعد أن تالق مع الأرجونتينيوس جونيور كان من الامر العادل ان ينتقل مارادونا الى نادي اكبر من اجل التألق و كتابة تاريخ جديد في مسيرته، و هدا ما حدث خلال سنة 1981 حينما خاض بوكا جونيور مفاوضات طويلة للحصول على خدمات الولد الذهبي، أسفرت عن إنتقال مارادونا إلى البوكا الذي أبدع معه بشكل كبير وقاده إلى احراز لقب البطولة الأرجنتينية، و لكن الأمر المهم بالنسبة للجماهير كان هو الفوز على الخصم الأزلي ريفر بلايت بثلاثية نظيفة كان لمارادونا النصيب الأكبر منها باحرازه لهدفين في يوم تاريخي وممطر، منهيا الموسم الأول مع البوكا ب28 هدفا في 40 مباراة.

قصة مارادونا مع نادي ببرشلونة
في سنة 1982 انتقل مارادونا الى نادي برشلونة في صفقة تاريخية قدرت بقيمة 12 مليون دولار حصل عليها ناديه البوكا مقابل التخلي عن لاعبه الإستثنائي، وحضي الأخير بشعبية عارمة في اسبانيا خصوصا بعد مشاركته في مونديال 1982 و الذي اقيم أيضا بالاراضي الاسبانية، فظهر مارادونا في أول مباراة رسمية للبارصا يوم 5 شتنبر 1982 ضد فالنسيا لينطلق مشوار التوهج في موسم توج فيه الأرجنتيني كأفضل لاعب في الليغا بالإضافة إلى إحرازه لقب كأس الملك.

غزو نابولي وضجة بإيطاليا
لم يمكث دييغو طويلا في كطلانيا فسرعان ما عرج نحو إيطاليا سنة 1984 وتحديدا الكالشيو ليحط الرحال بنابولي، حيث وجد إستقبالا أسطوريا من الجماهير التي تنبأت له بالبطولة ودخول التاريخ مع الأزرق السماوي، وأثر هذا الإستقبال في نفسية مارادونا الذي صنع الحدث بالفعل وغزا التاريخ مع نابولي، إذ قضى معه أفضل وأجمل السنوات في مسيرته الإحترافية، حيث كان السبب الرئيس في فوزه بلقب الأسكوديتو لأول مرة موسم 1986-1987 مطيحا بالعملاقين ميلان وجوفنتوس، ليواصل الإمتاع والإبداع بعدها وحصد الألقاب، بخطف بطولة ثانية وإنتزاع كأس لإيطاليا ثم كأس الإتحاد المحلي وكأس الإتحاد الأوروبي.

مونديال مكسيكو بألف عنوان
يشهد التاريخ بكون مونديال مكسيكو 1986 هو أجمل تظاهرة وأحلى مونديال لعبه أرماندو تحت أنظار العالم، إذ تمكن القائد الشاب من قيادة منتخب الطانغو لإحراز اللقب العالمي عن جدارة وإستحقاق، فمشى بالأرجنتين فوق بساط التميز بدأ بجلد كوريا الجنوبية في اول مباراة 3-1، ثم التعادل الصعب أمام ايطاليا ب1-1 و خلال هذا اللقاء كان مارادونا هو من سجل الهدف، قبل يصفع الماكر خصمه البلغاري بثنائية محلقا للدور الثاني.
خلال ثمن النهاية فازت الأرجنتين بصعوبة على الأورغواي 1-0 في المباراة التي شهدت حادثا غير مسبوق بتوقيع مارادونا لهدف بيده لكنه رُفض، وأبت الأحداث إلا أن تستمر وهذه المرة في ربع النهاية ضد الأنجليز، حينما عاود دييغو الكرّة وهز الشباك بيده من دون أن يرى الواقعة الحكم ولا الكاميرات سوى بعد بث الإعادة مرات ومرات، ثم عزف بعدها سمفونية الروعة والجنون بهدفه الأسطوري الذي تلاعب فيه بجل لاعبي إنجلترا قبل أن يتفنن في هزم الحارس، حاسما المباراة 2-1 وضاربا موعدا مع البلجيكيين في المربع الذهبي، وهنا إستعرض الساحر مهاراته وسجل هدفين جديدين حلقا بالطانغو إلى نهائي الأحلام وتكسير عظام الألمان، لتنتشر فيديوهات وصور الأرجنتيني الباهر عبر المعمور وهو يرفع كأس العالم المجنون والرائع والراسخ في سجلات البطولة ومعها عقول كل متتبعي الكرة.

الأحزان بعد المجد والعنفوان
عاد مارادونا للمونديال بعد أربع سنوات وسافر مع الطانغو إلى إيطاليا عام 1990 للدفاع عن تاجه، بيد أن مستوى الداهية لم يكن كسابقه ولم يمتع كما أمتع في مكسيكو، ورغم التراجع النسبي إلا أن الحضور كان موفقا بوصول الأرجنتينيين إلى عتبة المباراة النهائية.
الطاليان أقلقوا راحة مارادونا وأنهوا علاقتهم الحميمية معه بعدما أقصى الأزوري في النصف النهائي، وقد شهد حفل النهاية صراخا وإزعاجا وهتافات معادية لمارادونا أثرت عليه وأدخلته في حالة من الشرود وضعف التركيز، ليفقد الطانغو لقبه ضد ألمانيا 0-1 التي ثأرت لخسارتها في المكسيك وأذاقت الأرجنتينيين من نفس الكأس التي شربت منه بمرارة.
المعاناة لم تقتصر على خسارة كأس العالم بل فاقتها إلى فضيحة تمثلت في إيقاف الأسطورة من طرف الشرطة الإيطالية في قضية تعاطي الكوكايين، ليتم عقاب دييغو عقابا شديدا ومنعه من اللعب لمدة 15 شهرا، الشيء الذي ذبح مارادونا كرويا لكنه لم يمت، إذ عاد إلى الميادين بعدها من بوابة إشبيلية الإسباني، إلا أن التألق كان في خبر كان حيث بدا مارادونا منهارا بدنيا ولم يسجل سوى 4 أهداف في 25 مباراة.
يئس الرجل من أوروبا وأجوائها ومطاردة العدسات له إثر تشوه سمعته، فرجع إلى بلده حيث حمل قميص نيوز أولد بويز ثم بوكاجونيور، وخاض عقبها مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية والذي كان الأخير في مسيرته مع المنتخب، خصوصا بعد الفضيحة الثانية التي إكتشفها الفيفا بعدما أجرى فحصا له تبث من خلاله تعاطيه للمخدرات فجاءت مقصلة الإيقاف مجددا.

دييغو في ثوب لم يلق به
إنتهت علاقة مارادونا مع الكرة كلاعب رسميا في 27 أكتوبر 1997 حينما خاض آخر مباراة رسمية له بقميص بوكا الأزرق والأصفر، ورغم مغادرته للميادين إلا أن أخباره لم تنقطع فواصل الرجل جلب الأضواء وتصدر العناوين ليس كمبدع وإنما كمريض ومدمن يتنقل بين المصحات للعلاج.
وما إن تعافى قليلا حتى عاد المجنون إلى ساحة كرة القدم من بوابة التعليق والتحليل التلفزي مع حرص على المتابعة الدقيقة لكل مباريات المنتخب الأرجنتيني، إلى أن تحقق حلمه بتقلده منصب مدرب الطانغو في أكتوبر 2008، فعاش تجربة غير مسبوقة ومميزة حبلى بالضغوطات وملأى بالإخفاقات، إذ لم ينجح مارادونا في التأهل لكأس العالم 2010 إلا في آخر لقاءين من التصفيات، وفشل في الظفر باللقب كمدرب ليتوقف قطاره عند محرقة أليمة ضد الألمان في ربع النهاية برباعية مؤلمة، ليترك مقعده حزينا محبطا ويطير بعدها بأشهر إلى الخليج حيث فضل تدريب الوصل الإماراتي والإستمتاع بالهدوء والراحة وجمع المال بعيدا عن الضغط والمسؤوليات.

المهدي الحداد

التعليقات مغلقة.