تسوية وضعية المهاجرين وإشكالات المستقبل

28

المشهد المألوف: رجال ونساء، شيب وشباب، لكن خلال السنوات أو الشهور الأخيرة مزيد من الأطفال والرضع، من جنسيات مختلفة خاصة دول جنوب الصحراء وسوريا، يلتحفون شمس النهار ويتناوبون على السيارات والمارة في جل ملتقيات الطرق بجل المدن الكبيرة والصغيرة للحصول على بعض الدراهم تسد رمقهم وتغطي مصاريف أيامهم البئيسة بيننا.

وفي سياق المرحلة الجديدة لتسوية وضعية المهاجرين، والتي تمنح للنساء الأمهات واللواتي أنجبن أطفالا خلال السنوات الأخيرة الحق في امتلاك بطائق الإقامة بالمغرب، ومع التزايد الكبير في أعداد المهاجرين وغياب تصور اندماجي واضح يأخذ بعين الاعتبار مختلف جوانب وأبعاد القرار السياسي وامتدادات الظاهرة ومستقبلها، وباستحضار الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، يتضح أن هذا الوضع يثير القلق ويطرح على الدولة والمجتمع العديد من الأسئلة التي يجب التعاطي معها بالجدية اللازمة في أقرب الآجال.

السؤال الأول والأكثر استعجالا هو ما هو مصير ومستقبل هؤلاء الأطفال الصغار الذين ارتفعت أعدادهم بشكل كبير وملحوظ ، والذين ازدادوا في المغرب، والذين ستزداد أعدادهم بعد أن صاروا يوفرون ضمانة قانونية لأمهاتهم وأسرهم لإثبات الإقامة وتسوية وضعيتهم، خاصة إذا استحضرنا الوضعية المبهمة لغالبيتهم وأهداف إقامتهم أو عبورهم، وظروف وثقافة الإنجاب في أوساطهم؟

السؤال الثاني الذي يثيره هذا الوضع هو اللبس الذي يحيط بأهداف وانتظارات العديد من هؤلاء المهاجرين، حيث يتضح أن وجودهم في المغرب ليس غاية في حد ذاته أو ربما ليس الهدف الأكبر ما داموا يعتبرونها مرحلة عبور للوصول إلى أوروبا كما يتأكد من خلال تمركزهم بمدن الشمال والمحاولات المتكررة للعبور إلى الضفة الأخرى، ومن خلال حلمهم المشروع كما يعبرون عن ذلك بشروط وحياة أفضل؟

السؤال الثالث هو الأبعاد الاجتماعية والأمنية للظاهرة في الراهن والمستقبل؟ فقد تأكد لي ذلك من خلال حادث طريف وحديث سريع مع أحدهم بإحدى ملتقيات الطرق عندما تقدم اتجاهي وخاطبني بكلام لبق وابتسامة لطيفة، وعندما اعتذرت لأنني لا أحمل نقودا ووعدته ” la prochaine fois inchaallah“، فكان رده بعد أن لطم علو السيارة بيده وتغيرت ملامح وجهه “la prochaine fois je serai avec une voiture moi…” . حلم مشروع وهدف كل مهاجر سري أو مقيم هو تحسين وضعه المادي وتحقيق استقرار اجتماعي سواء في بلد العبور أو في بلد أفضل، لكن بداية حصول تغيير في السلوكات، كما يؤكد العديد من الملاحظين، مع توالي الأيام وربما تسرب اليأس أو نفاذ الصبر، وكما حصل خلال عدة أحداث، يطرح سؤال الاندماج والقدرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين، وتبعات هذا الوضع الاجتماعية والأمنية في المستقبل؟

وعودة إلى سؤال الأطفال ومستقبلهم وشروط اندماجهم، يتضح أنه من الشروط المستعجلة لذلك هو أن توفر لهم الرعاية الصحية، ومقاعد في المدرسة، والحد الأدنى من شروط العيش، لأنه لا يمكن أن يرثوا عن أمهاتهم وآبائهم أماكنهم في ملتقيات الطرق أو مخابئهم، وذلك حتى لا يتحول بؤسهم ووضعهم في المستقبل القريب إلى آفة جديدة في مجتمعنا ومشهدنا اليومي المتدهور… عن هيسبريس

التعليقات مغلقة.