الوصاية على العقل بإسم البرمجة اللغوية العصبية

48

أكثر الأفكار شعوذة وخرافة هى أكثرها رواجا هذه الأيام، الشعوذة والخرافة من الأشياء الطبيعية فى أى مجتمع متخلف عن ركب الحضارة ولكن أن ترتدى الشعوذة والخرافة ثوب الحضارة والعلم فهو الأمر البالغ الخطورة فعلاً، فالخرافة بجميع أنواعها ماهي إلا مصدات للتطور الحضاري بإستغفال العقول. انتشرت فكرة التنمية البشرية فى الوطن العربى بطريقة مثيرة بإسم العلم !، حتى اجتاحت الوطن العربى بطريقة سلبت عقول الشباب العربى البسيط، وهو الأمر الذى يستدعى كثيراً من الانتباه والتنبه فى حقيقة الأمر . إنتشار التنمية البشرية كان على يد ابراهيم الفقى ومن خلاله فصيل واحد معين دون سواه, وقد كانت البداية من دول الخليج، حيث شاشة قناة إقرأ ثم الرحمة وبعدها إنتشرت على جميع القنوات العامة والخاصة، وقد خرجت من الشاشات إلى الجامعات والمدارس ومراكز الشباب والمراكز الثقافية والحلقات الجامعية, وانتشرت كتبها فى كل المكتبات بطريقة مثيرة جداً وكأن الوطن العربى كان فى حاجة وعطش شديد لهذا الأمر!، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل حد الوصاية على العقل والدين والإستغلال المادي. ابراهيم الفقى لم بكن وحده رمز لإنتشار التنمية البشرية فى الوطن العربى، فقد صعد بجواره صلاح الراشد وطارق سويدان وعمرو خالد وعائض القرنى وحاليا نبيل العوضي و أحمد الشقيري ورشاد فقيها وكثيرين من الوعاظ والدعاة الذين سبقهم فى ذلك من زمن الشيخ محمد الغزالى حين كتب كتابه الأشهر “جدد حياتك”، ذلك الكتاب الذى ذكر مؤلفه فى مقدمته أنه فور إنتهاءه من قراءة كتاب “دع القلق وإبدأ الحياة” لـ “ديل كارنيجى” عزم على “أن يرد الكتاب إلى أصوله الإسلامية” ( !! )، وقد سار وراء الغزالى فى طريقه ومنهجه بعد ذلك عائض القرنى فى كتابه “لا تحزن” , ثم تبعه طارق سويدان وأحمد عمارة ومحمد ابو فرحة وأميمة فرغلى ورضا طعيمة وعمرو خالد وغيرهم ممن إحترف نهج إستنساخ المؤلفات الغربية. لكن تظل البداية لابراهيم الفقى , الذى يقال انه مؤلف علم “ديناميكية التكيف العصبي” وعلم “قوة الطاقة البشرية” ( !! ) . والحقيقة أن فكرة إدعاء الرجل تأليف علم فكرة مضحكة ومثيرة للسخرية ، فالعلم نتاج ابحاث ونظريات وتجارب وملاحظة لظاهرة معينة وقياس لتلك الظاهرة ومحاولة للبحث عن علاج لتلك الظاهرة، وليس بإمكان شخص واحد أن يتجرأ ويختزل كل هذا الجهد ويصنع علم وحيداً فريداً منفرداً !! إلا إذا كان نصاباً ! . إن أول من اخترع فكرة تأليف علم هذه هم أعضاء الفريق الذي أسس “البرمجة اللغوية العصبية” وعلى رأسهم “جرندر” و”باندلر” , وقد أثاروا بهذا المصطلح عاصفة من سخرية وانتقاد الأكاديميين في دول الغرب, وللأسف الشديد كان إبراهيم الفقي هو أول عربي تقريباً يستخف بعقولنا ويستخدم هذا المصطلح , وإذا كان بالفعل عالماً ذائع الصيت عالمياً ومخترع علمين كما كان يقول ويكرر ويؤكد ويروج ، فلابد أن يكون قد نشر نتائج أبحاثه العلمية في المجلات العالمية المتخصصة، وربما قام أحد العلماء مثلاً بإستخدام الأوراق العلمية التي نشرها كمصادر لأبحاثهم ولكن الحقيقة أنه لا وجود لأى ورقة علمية واحدة منشورة له في هذين العلمين سواء في المكتبات أو في جوجل سكولار أو حتى أي موقع أخر للبحث العلمي !! . حتى عندما قال إبراهيم الفقى أنه يحمل درجة الدكتوراه فى علم الميتافيزيقا من جامعة ميتافيزيقا بلوس انجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، لم يخبرنا ان هذه الجامعة ليست جامعة أصلاً، وإنما هى شركة تدعى أنها جامعة، ثم انها غير مرخصة وغير معترق بها فى الولايات المتحدة لانها تدرس أشياء لم تثبت علمياً كالروحانيات والتخاطر والحاسة السادسة وتحريك الأشياء بقوة الذهن، وتم وصف تلك الجامعة بـالـ ( fraud ) أى بالإحتيال !! . إبراهيم الفقى قدم نفسه أيضاً كخبير فى التنمية البشرية والتي إستنسخها من البرمجة اللغوية العصبية التى أسسها وإشترك فى قصة نشوءها وصناعتها “جرندر” و”باندلر” مع “باتيسون” بعد مرحلة من البحث عن مقادير الخلطة السرية التي تؤدي إلى النجاح، والتى أخذوها من علماء أخرين كـ “شومسكي” و”كورزبسكي”، واستطاعوا تحديد الوسائل المتكررة من النماذج السلوكية للذين نجحوا، ثم قاموا بتلخيص هذه النماذج وتعليمها للناس، وهي النماذج التي سميت بالنماذج اللغوية العصبية، والمكونة من قواعد لطريقة التعامل مع البشر ومنهج لفهم الآخرين، ومن المؤكد أنها تستعمل الأن كأداة إستخباراتية من أجل تشكيل الرأي العام وإدارة شعوب العالم، وطبعا لن يحصل العرب على أكثر من القدر المحدد. لكن الغريب أن “باندلر” طالب عام 1996 بأن تسجل فكرة البرمجة اللغوية العصبية هذه بأسمه وحده ويأخذ الكعكة كلها لنفسه على حساب أصدقاءه الذين شاركوا معه ( !! )، لكن الفكرة قوبلت بالرفض ومازالت حتى الأن غير مثبتة علمياً لأهداف خاصة، لان نتائجها غير قابلة للتكرار وهى الصفة الدالة على العلم الزائف، أو على الخرافة العلمية إن صح التعبير !! إن شعبية الـبرمجة اللغوية العصبية ليست دليلا على فعاليتها، بل على قدرة الهراء الخارقة في هزيمة العقل إن البرمجة اللغوية العصبية عجينة نصف مخبوزة من علم النفس الشعبي والعلم الزائف وتقوم بصناعة قوالب بشرية تستعمل حسب مايتم تخزينه فيها، فهى تتعامل مع العقل البشرى بإعتباره جهاز الكترونى لا يعرف عنه صاحبه أى شيئ إلا بواسطة مرشده الذي هو مدرب التنمية البشرية، وهى تزعم أن لديها دليل الإرشادات حول طريقة تشغيل العقل الواعى واللاوعى، كما أنها تزعم أن لديها آليات ومفاتيح التغيير لحياة الإنسان، وأن لديها الخريطة التي بها الفهم الحقيقى للعالم، والتى هى كفيلة بتحقق النجاح في الحياة من أول غسيل الصحون وحتى قيادة الغواصة مرورا بإدارة فندق مطبخ غسيل الصحون وطبعا داخل إطار منهج وفكر المدرب, وهى تدعوك إلى أن تتخذ نموذجا لشخص ناجح تتبنى معتقداته وتراكيبه اللغوية والاستراتيجيته، وطريقة العمل هي : تظاهر بأن الطريقة تعمل ..لاحظ ما تحصل عليه .. لو لم تحصل على نتيجة جرب شيئًا آخر، فلو كنت تخاف من الظلام فكل ما عليك هو أن تبرمج عقلك على التفكير كواحد لا يخاف الظلام !! وهكذا فقط كلم نفسك وأفعل ما فعله الثائر في ساحات القتال بدون سلاح! . إن أصعب مافي البرمجة اللغوية العصبية (دورات التنمية البشرية)على الفرد هو أنها تُستخدم لبرمجته عصبيا بحيت يصبح عقله لعبة بيد الغير(المدرب) يحركه طبقا للأهداف المسطرة وبإستسلام كلي من المتلقي، هذه البرمجة العصبية تتحول فيما بعد إلى إدارة عن بعد حيت أنها لاتقتصر على فصيل مدربي التنمية البشرية (الصف التاني للشيوخ التنظيم الدولي) بل تستعملها أيضا وسائل الإعلام التي تدعوا إلى التغيير دون أن تحدد مسارات تغييرها المنشود و تغوص بمتتبعها في عمق مرحلة مابعد التغيير، وقد إستنسخت هذا النهج من هيئة الإذاعة البريطانية bbc القسم العربي (دون مقررات إعلام الأزمة) وتحمل لوائها في الوطن العربي قناة الجزيرة، والعجيب أن هذه البرمجة العصبية لم تستثني حتى الأطفال وهنا يقبع دور قناة طيور الجنة ومن على شاكلتها المملوكة للتنظيم، حيت تعتمد على تربية الأطفال بإتباع فكر وسلوك ومنهج وعقيدة معينة دون سواها وذلك عبر الإستعانة بالبرمجة اللغوية العصبية في الأغاني اليومية التي يتم بثها 24/24 وقناة أيضا mbc3، هنا نستخلص أن التنظيم يعتمد على إستنساخ كل ماهو أمريكي له علاقة بالبرمجة العصبية وينسبها إلى نفسه من أجل الإستحواذ على العقل العربي بعد أن تعرض هو نفسه للبرمجة في مراكز كارينكي وبيت الحرية وجيمي كارتر. إن كل ما يمكن أن تستفاد به من دورات وكتب التنمية البشرية هذه ليس سوى أن تؤلف عنها كتابين بسهولة جداً من تجميعة سريعة من الكتب الأجنبية وبإقتباسات مسروقة من البرمجة اللغوية العصبية؛ كما فى كتاب “المفاتيح العشرة للنجاح” للدكتور الفقى، يقول : وفي رأيي أن الشخص الذي لا يقرأ لا يكون في درجة أعلى من الشخص الذي لا يعرف القراءة، وهى جملة من الإقتباسات الشهيرة لــ Mark Twain، وقد أخذها الفقى ونسبها إلى نفسه دون أى إشارة إلى صاحبها، هذا غير القصص التى كان يأخذها بالحرف من كتب أخرين وينسبها لنفسه ،حتى أخر تويتة غرد بها قبل وفاته كانت مسروقة من Mark Twain أيضاً . وقد سار على درب الفقي في هذا النهج الإستنساخي جميع كوادر وهواة البرمجة اللغوية العصبية أو بإسم أخر قابل لي التداول في الوطن العربي دون إثارة الشبهات حوله (التنمية البشرية). لكن كما تجعلك التنمية البشرية تقوم بتأليف كتب مسروقة، تجعلك أيضاً مدرباً بشهادة معتمدة ليس من جامعة كبيرة ولا حتى من اتحاد دولى وانما من أحد مدربيها، ويتم ختمها بأن تلك الشهادات صادرة عن مركز تدريب دون مسؤولية عن محتواها العلمي، وطبعا بمقابل مادي لحشود المبرمجين لغويا! . الغريب أن معظم مدربي التنمية البشرية هذه أغلب حديثهم فيه حس شعبيى كبير، إلا أن كلامهم كله غير مفهوم وغريب بالنسبة للمواطن العادى البسيط !! وهذا ما يمكنهم من السيطرة على الفرد والوصاية على عقله، سيقول احدهم : لماذا تنظر إلى نصف الكوب الفارغ يا اخى فهناك جزء من الكوب ممتلئ بأمور كثيرة من الممكن أن تفيد الناس ؟، والحقيقة أن نصف الكوب الممتلئ هذا ملوث سم في العسل!، فالتنمية البشرية تتكون من ثلاثة أجزاء ( علوم الطاقة – القدرات العقلية والنفسية – التعامل مع الاخرين ) الجزء الاول الخاص بالتنويم بالإيحاء والعلاج بخط الزمن وخرافات أخرى غير مثبتة علمياً حتى وقتنا الحالى، والجزء الثانى والثالث خاص بالذاكرة والتركيز وإدارة الوقت والتخطيط وإدارة الضغوط الحياتية وفن الاقناع والإتصال والتواصل مع الاخرين، وهى أمور رائعة وعامة تعرف أكثره ولا تستطيع تطبيقه أو الاستفادة منه !! . إن البرمجة اللغوية العصبية (التنمية البشرية) تغسل دماغ المتلقي وتلقنه أفكارًا في اللاوعي ثم في عقله الواعي من بعد ذلك، مفاد هذه الأفكار أن هذا الوجود وجود واحد ليس هناك رب ومربوب وخالق ومخلوق، هناك وحدة وجود إنها الأفكار القديمة التي قالها دعاة وحدة الوجود و يقولها اليوم دعاة التنمية البشرية عن طريق هذه البرمجة التي تقوم على الإيحاء والتكرار وغرس الأفكار في العقل الباطن للمتلقي . وهذا ما يعني أن الإنسان مسير حسب فهم عقيدة البرمجة اللغوية العصبية (التنمية البشرية) وليس مخير حسب الإرادة الإلهية، فأي معنى للحساب والعقاب بعد الإيمان بعقيدة البرمجة اللغوية العصبية (التنمية البشرية)؟. القصة كلها تكمن فى أن مدربى (التنمية البشرية) العرب يتحاشون الحديث فى علاقة (مورد الرزق) بالبرمجة اللغوية العصبية مخافة إثارة الشبهة حول أهداف تنظيمهم، ويصبون كل سخطهم على عقل المواطن الفرد البسيط، ويبيعون له فكرة سلطانية يقوم عليها معبد التنمية البشرية كله، وهى فكرة تدعو الفرد إلى أن يغيير نفسه وذاته حتى تتغير ظروفه، ويغلفون فكرتهم بالآية القرآنية الكريمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كما يغلفون مورد رزقهم هذا بالدين، وهذا هو ما اعطى لهم مساحة واسعة وشاسعة فى الوطن العربى يمرحون فيها بدون أي قيود او مصادرة أو منع كتب أو إغلاق مراكز تدريب أو منع برامج تلفزية، فهم يعلنون فى كل لحظة أن العيب فيك أنت ولا تتحجج بالظروف . ويطلبون من الفرد ان يخرج كالبذرة من اكوام السبخ بغصن اخضر جميل وورد ملون وبرائحة منعشة والحقيقة أن الإنسان ليس بذرة، كما أن سلوك الإنسان لا يتغير هكذا ببساطة من خلال النصائح وكثرة الوعظ والكلام عن القيم النبيلة والفضائل الرفيعة العالية، فبرغم أهمية هذه النصائح والتوجيهات إلا أن أثرها الفعلي في تعديل التفكير وتغيير السلوك يظل محدود ما لم يرتبط بتطبيق فعلي يدعم من البيئة المحيطة ويقوى بظروف مساعدة له لضمان تثبيته حتى يتحول إلى عادة راسخة في سلوك الفرد، فالأخلاق والسلوكيات وليدة الظروف الإجتماعية التى تحيط بنا فى الغالب، وما لم تتغير تلك الظروف فلن تتغيير أخلاق وسلوكيات العامة أبداً، ولهذا يصدق قول القائل : غير معيشة المرء تتغير أخلاقه وتصرفاته ! . لكن أن نصر على تقديم نماذج بشرية ناجحة جاهزة فى قوالب عالية فوق معبد التنمية، كان لها ظروفها وفرصها وحظوظها وامكانياتها المختلفة تماماً عما نعيش فيه، ونقدمها باعتبارها المنقذة لنا، فهذا فى حقيقة الامر نفس ما فعله الوعاظ مع سيرة السابقون الاولون حين جعلوا منهم نماذج فوق البشر وفوق الطبيعة وفوق الوصف وفوق التصور، فكانت النتيجة ان يقول لك الناس حين تأمرهم وتطلب منهم أن يقتدوا بهم ويتمثلوا بهم : احنا فين وهما فين !!

التعليقات مغلقة.