لحجر والطوارئ بسبب الوباء هل سيعيد بناء عالم مغاير ..؟ * بقلم : مصطفى المتوكل الساحلي

21

لأزمات والكوارث تتسبب في اختلال التوازن وتغير الأولويات ، وقد يكون من أسبابها سياسات بعض الدول التي تسمى نفسها “عظمى” والتي تسعى للقيادة والتحكم ،، فتتجلى عند بعضها توجهات وممارسات انتهازية ووصولية لاعلاقة لها بالإنسانية ولا بالتضامن الحقيقي ، وعند آخرين نزعة عنصرية مقيتة أنانية وارتجالية متهورة ،،…

إن هؤلاء وأولائك وأشباههم يبحثون عن ربح مهما قل أو كثر باستغلال بشع لحاجات وأزمات ومعاناة الناس ، فاستعمروا دولا عديدة وبطشوا بشعوبها وانتهكوا كل الحقوق ، وبسطوا أيديهم على الخيرات ،واستنزفوا ثروات وقدرات العالم الثالث ، واستغلوا اليد العاملة الكادحة في بناء دولهم واقتصادهم بالإستعباد ثم بالإستعمار المباشر وغير المباشر – الذي مازال مستمرا – ، واستثمروا تقدمهم العلمي والتكنولوجي والصناعي وخبراتهم في تقوية مكانتهم ، كما استغلوا التخلف والجهل المنتشر في الدول التي لازالت تتفقد وتبحث عن طرق للنمو ، وفتحوا أبوابهم لاستقبال وإدماج الكفاءات المختلفة التي لم تجد فرص عمل ، وضيعت دولهم بذلك جزءا مهما من الثروة البشرية والكفاءات بسبب سياسات لاتقدر قيمة بعضهم ،وغير قادرة على إدماجهم ،

إن تلك الدول أصبحت تتطاول بوصايتها حتى ظهر منهم جيل من السياسيين الشعبويين الذين أصبحوا أكثر استخفافا بالأمم ،، وأسسوا سلطة القوة للتحكم وللدخول في صراعات مع دول مستهدفة لإعتبارات مصلحية وخاصة السائرة في طريق النمو لجعلها تستمر في القبول بالتبعية والخضوع لشروط مجحفة ومذلة أحيانا لتصنع وتدفع بها نحو المزيد من التأزيم والفشل واللاتوازن الإجتماعي والإقتصادي ، ولتصبح مكتفية وقابلة بالمساعدات والمنح والمزيد من القروض التي يعرف مخاطرها وكارثيتها الذين أغرقتهم الديون وشروط إذعان المتحكمين في السياسات الإقتصاديات العالمية والأبناك الدولية ..

إن غرور القوة فتح الباب للتسيب والإرتجالية والإبتزاز الممنهجين ،، لتجد دول ” عظمى” نفسها بسبب هذا الوباء منكشفة ومفضوحة ومرتبكة وغير جاهزة حتى أمام شعوبها التي تطرح أسئلة محورية تهم السياسات العمومية في علاقتها بهم وخاصة فيما يتعلق بقطاع الصحة وخدماته وقدراته ، وتعني ضعف وهشاشة العديد من القطاعات الإنتاجية والفئات الإجتماعية ،، وانكشفت عبثية إضاعة أموالها في تجارة الحروب وخلق وتمويل الفتن والإضطرابات في العديد من مناطق العالم لاعتبارات متعددة ، واحتكار الثروة والتحكم في الموارد بسياسة تزيد الأثرياء ثراء فاحشا ، والبذخ والتبذير المشبع بنزوات الغلو والتفريط والتبجح ، وتشجيع الإدمان على سلوك الإستهلاك المتهور ..

إننا اليوم في وطننا وبدول العالم أمام وضعية تتطلب من الجميع مستقبلا إعادة النظر بشكل جدي وجذري في طبيعة العلاقات الدولية والعلاقات بين شعوب العالم من أجل بناء متكافئ للإقتصاديات العالمية وتثمين للثروات خدمة للإنسانية تعليما وصحة وتشغيلا و… ،

إن العالم بالفعل هو وطن واحد بدول متعددة ، أصبح يصدق عليه روح الحديث النبوي : الدول والشعوب بعضها لبعض كالجسد الواحد إذا مرض واشتكى منها عضو تداعت له سائر الدول والشعوب …
هذا الوباء عطل في بلدان العالم مجالات عيش عشرات الملايين من الناس منهم ملايين من العاطلين وأشباه العاطلين ،، وأثر على الإقتصاديات والتوازنات ، فلا مصلحة لأية دولة بوجود شعب ضعيف ولا مصلحة للشعوب بوجود سياسات ودول غير قادرة على العمل والتعاون من أجلها ،

فالأمم والمؤسسات التي لاتفكر لعيش الشعب وراحته وطمأنينته ومستقبله وازدهاره ورخائه تحتاج إلى مراجعة ومساءلة نفسها وعقلها وضميرها ومبادئها ، وإلى تصحيح فهم معتقداتها وأنسنة سياساتها ،، كما أن القوى الحية والأنوية الصلبة للمجتمع المدني كيفما كانت أسماؤها وفق دساتير وقوانين العالم مساءلة على تعثر حتى لا نقول فشل تواصلها وتأطيرها وتوعيتها وتكوينها وتأهيلها للمتعاطفين والأنصار خاصة والشعوب عامة ،،
إن الفقراء بالعالم يعيشون يوميا أزمات ومشاكل عويصة وزادت هذه الجائحة من أزماتهم وضيق عيشهم ، لهذا كل الدول وحكوماتها وكل المنظمات الأممية والتكتلات مطالبون سلفا بأن يأخذوا بعين الإعتبار الإستعداد للطوارئ بكل أنواعها المرتبطة بالأوبئة أو التقلبات المناخية أو الركود والأزمات الإقتصادية ،، وأن ينهجوا بموازاة مع ذلك سياسات بروح وفلسفة اجتماعية تشرك الناس في دورة الإنتاج وتستثمر لصالحهم جزءا من الثروات الوطنية والمشتركة عالميا ،، فالرأسمال الحقيقي الذي يجب الإستثمار فيه وتنميته هو الإنسان لأنه أساس بناء وإعمار الأرض منذ الأزل ، لهذا فمرتكزات عمل ووجود الدول والحكومات مرتبط بخدمة المواطنين والمواطنات بتكامل وتعاون وتضامن بين كل دول وشعوب العالم ..

إن جائحة “كورونا” طالت دولا كثيرة ولم تستثن الدول الكبرى ، فهل يمكن أن نكون أكثر ديموقراطية وعدالة منها لأنها لم تميز بين الحاكم والمحكوم ، والغني والفقير ، و العالم والأمي ..إن الحكيم اللبيب في كل دول العالم من يتعلم الدروس من النجاحات والكوارث ويصلح نفسه ووطنه وسياساته عند كل محنة أو إخفاق أو كارثة ..فما نتخوف منه إن لم تتغير العقليات الحاكمة في بعض الدول الغربية وحتى العديد من دول العالم الثالث هو أن يجر الشعبويون اليمينيون العنصريون العالم إلى متاهات صراعات أكثر شراسة سعيا وراء اكتساب قوة اكبر على حساب شعوب العالم وثروته ، ذلك أن منطق الغلبة للأقوى و البقاء للعرق الأنقى مازالت ترتع في فكر وثقافة البعض وهذه من اخطر الكوارث السياسية وتكون نتائج سياساتها أكثر خطورة وضرارا من “كورونا” ..

تارودانت : الإثنين 30 مارس 2020.

التعليقات مغلقة.