التوافق غير المتوافق

20

محاولة جديدة تبذل الآن فى مجلس الوزراء من أجل التوافق على مبادئ دستورية سابقة على الدستور. وقد استهلت قوى محافظة دينيا هذه المحاولة برفضها باعتبارها «مضيعة للوقت والتفاف على إرادة الشعب الذى أوكل هذه المهمة إلى لجنة المائة».
وقد ذكرت فى هذا العمود من قبل أنه من الممكن التوافق على أن أول 24 مادة من الإعلان الدستورى هى المبادئ الدستورية المقترحة لأنها أولا من صميم دساتيرنا السابقة ولأنها موضع اتفاق تاريخى، ويمكن النص فى قرار دعوة لجنة المائة إلى وضع الدستور الجديد، وفقا للمادة 60 من الإعلان الدستورى لأن يكون الدستور الجديد غير متصادم مع هذه المواد بل هو تطوير لها. وتنص هذه المبادئ الأربع والعشرون على ما استقر عليه الفقه الدستورى المصرى فى دساتيرنا المتعاقبة من تحديد هوية مصر والحقوق الأساسية للمواطنين وديمقراطية الدولة وترسيخ قاعدة المواطنة.

ما أخشاه أن محاولة «اختراع» مبادئ جديدة وفرضها عبر قرار من المجلس العسكرى منفردا فى صورة «إعلان دستورى» ستصطدم باللجنة التأسيسية (لجنة المائة) التى لا تريد «وصاية» من أحد على حد تعبير البعض. إذن هذه المبادئ المأخوذة من دستور 1971 هى فى الأصل كانت موضع اتفاق سابق وتم الاستفتاء عليها حين تمت صياغة دستور 1971 كما أنها كانت فى الأصل جزءا أصيلا من كل الوثائق الدستورية السابقة.
ويضاف إلى هذه المبادئ الحديث عن تشكيلة معينة للجنة التأسيسية بحيث تكون هناك نسبة من الأعضاء المنتخبين فى المجلسين ونسبة من خارجهما لتمثل أوسع قطاع ممكن من فئات المصريين. وهو أمر مقبول إجمالا من الناحية السياسية إن توافقت عليه القوى السياسية المختلفة كاتفاق ودى أدبى، ولكنه فاقد المشروعية القانونية لأنه لا يوجد أساس شعبى (بحكم أن الشعب هو مصدر السلطات) لهذه القواعد الإجرائية.
والحقيقة أننا لو تخيلنا نظريا أن إرادة أغلبية أعضاء مجلسى الشعب والشورى قد تراضت على عكس ما يريده المجلس العسكرى فى أى إعلان دستورى جديد، فإن الحجة القانونية والأساس الشرعى لأعضاء المجلسين المنتخبين يجب أى إرادة سياسية أو شرعية أخرى.
الوضع حقا مضطرب ويحتمل تفسيرات متعددة. وأملى أن نتمهل قبل الإقدام على إصدار وثائق أخرى من المجلس العسكرى تحت مسمى «إعلان دستورى» لأنه قطعا سيواجه انتقادات قبل الانتخابات وبعدها.
مع يقينى من مصادر مختلفة أن المجلس العسكرى لا يريد أن يؤجل الانتخابات، لكن فى نفس الوقت لا بد أن نكون حذرين من الاصطدام بإرادة الهيئة الناخبة. إن الكل واع بأنه لا يوجد تراجع عن جوهر: الديمقراطية والمواطنة والمدنية واحترام حقوق الإنسان الأساسية. وأعتقد يقينا أنه لا الأعضاء المنتخبون ولا المجلس العسكرى يرغبون فى النكوص عن هذه المبادئ كحد أدنى توافقى للمرحلة المقبلة.

** نقلا عن صحيفة ” الشروق الجديد ” المصرية

التعليقات مغلقة.